“طابو” : كل قصة فلسطينية تحتاج إلى عنوان

“طابو” : كل قصة فلسطينية تحتاج إلى عنوان

26 يونيو، 2018

مرحبا أيها العالم، نحن موجودون

في كل مرة أصل فيها إلى فلسطين، أهمس في نفسي قائلاً : ” كم من الجميل أن أكون في مكان يستطيع الناس فيه نطق اسمي بشكل سليم! ، والداي لاجئان فلسطينيان هاجرا إلى كندا عندما كان عمري 3 سنوات، لا زلت اذكر أول يوم لي في المدرسة الكندية عندما أعلن مدير المدرسة اسمي أمام الطلاب في طابور الصباح قائلاً : ” أيها الطلاب والطالبات، دعونا نرحب ب خ- خاليييييييييد الزمبابوي؟”.

نعم، أنه أمر مثير أن ينتهي اسمك كلما نطقه أحد بعلامة استفهام، كذلك كان يتم لفظ اسمي : خليل وكالد؟…..وكالب؟ – وهذا اللفظ يُقال للاهانة عند العرب ويعني كلب- ، وكانت الطريقة الوحيدة لجعل الناس يكفون عن ذلك هي أن أقف وأقول لهم: ” اسمي يلفظ خا-لد بدون علامة استفهام في النهاية”.

واذا ظلوا يواجهون مشكلة في نطق اسمي، كنت أقول لهم أن اسمي على وزن كلمة “صالد” وكذلك كلمة “فالد” – كما في” مرحبا، أنا موجود”.

أنا فلسطيني ومنذ أكثر من نصف قرن والفلسطينيون يحاولون أن يقولوا :” مرحبا أيها العالم، أننا موجودون”، وكحال الكثير من الفلسطينيين، تغير مسار حياة عائلتي للأبد عام 1984 عندما تم تأسيس دولة اسرائيل على حساب فلسطين.

يسترجع والدي هذه الذكريات المؤلمة وكأنها حدثت للتو، ويتذكر العنف الذي تم استخدامه من قبل الاحتلال من أجل اقامة اسرائيل، حيث فرت عائلة والدي من مسقط رأسه في سلمه نتيجة هذا العنف، وكانوا يمتلكون 200 دونم أو 50 فدان من الأراضي الخصبة المليئة ببساتين البرتقال الجميلة، وبعدها لجئوا إلى غزة بشكل مؤقت. وبعد بضع سنوات، اجتاحت إسرائيل غزة .

كان والدي صبيًا صغيرًا عندما دخل الجنود إلى الحي الذي يقطن فيه وقاموا بجمع جميع الرجال والأولاد المراهقين في باحة المدرسة،  لقد كان حينها في المنزل مع جدتي عندما دخل الجنود فجأة. ورفع أحد الجنود بندقيته في المنزل بينما قام الآخرون بنهب المنزل  بحثًا عن شيء ما.

بعد ساعات طويلة من البحث، لم يجدوا شيئًا … حتى طلب القائد المشبوه من جدتي الوقوف على الأريكة، وبدأ في البحث تحت الوسادة. اتسعت عيناه عندما وجد ورقة كبيرة مطوية،  وبعد أن قرأ محتواها ، أخذ يحدق بوجه جدتي، وقف طويلاً وألقى لها  تحية عسكرية. لقد وجد ما كان يبحث عنه: سند ملكية 200 دونم من الأراضي (50 فدان) لجدتي في سلمه .

هل تعلم ما هو الأمر السيء حقاً باحتلال إسرائيل لفلسطين؟

ومثلي مثل سائر أبناء جيلي الفلسطينيين، نشأت على سماع قصص التهجير والطرد المأساوية. وللأسف، لا تزال قصة فلسطين المأساوية مستمرة. واليوم ، يعيش الفلسطينيون في سجون مقامة في الهواء الطلق تسيطر عليها الحكومة الإسرائيلية، بينما يناضل قادتهم غير المنتخبين من أجل السيطرة على باحات هذه السجون. هذا و ظل سكان غزة يعيشون على حافة الهاوية، في حين أن الضفة الغربية تدعمها مساعدات المانحين غير المستدامة. وفوق ذلك كله، لا يزال الشعب الفلسطيني يعاني من عمليات المصادرة والاستيلاء على أراضيهم التي تتقلص باستمرار.

من الصعب ألا نشعر بالعجز في مواجهة مثل هذه القوى الساحقة. لكن في أوقات العجز الجماعي، تكون تصرفات الأفراد وردود فعلهم مهمة للغاية.

على الأقل هذا ما أمنت به عندما وصلت شاباً بالغاً إلى فلسطين -للمرة الأولى- منذ 10 سنوات تقريباً. وأدركت أن هذه الرحلة ستكون ممتعة عندما سلمت جواز سفري إلى مسؤول هجرة إسرائيلي في مطار تل أبيب. حينها ألقى نظرة فاحصة على اسمي وقال: “كككهههالد؟” فأجبته : “ليس سيئاً!” ، حتى قال “كهههالد… واسابي؟” حقاً واسابي؟.

لا  يا رجل ، لم يتم تسمية عائلتي بعد ظهور توابل السوشي اليابانية. إنها سبعاوي. ألفظها بالطريقة الصحيحة. وبعدها… تم استجوابي لمدة 8 ساعات.

أياً كانت آرائكم ووجهات نظركم حول إسرائيل وفلسطين، أعتقد أنه يمكننا أن نتفق جميعاً أن رفع خبرة شخص ما في نطق أسمائنا بشكل صحيح، يتبعه استجواب إسرائيلي مدته ثماني ساعات. حقاً هذا أمر منهك. وهل تعلم ما هو الأمر السيء حقاً باحتلال اسرائيل لفلسطين؟ المستوطنات.

يعتبر المجتمع الدولي أن المستوطنات غير قانونية.

في الواقع، تنص المادة 49 من اتفاقيات جنيف الرابعة بشكل واضح على ما يلي : “لا يجوز لسلطة الاحتلال أن ترحل أو تنقل أجزاء من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها”. ولكن حتى يومنا هذا، ابتلعت المستوطنات 10٪ من الضفة الغربية – أي أكثر من 125،000 فدان تم سلبها من الفلسطينيين.

عندما بحثنا أنا وأبي عن كيفية حدوث ذلك، اكتشفنا طريقة يمكن أن تساعد الفلسطينيين فعليًا على حماية أراضيهم.

70٪ من الأراضي في الضفة الغربية لا تزال غير مسجلة ولا يوجد فيها سندات ملكية

كما تعلمون، خلال الفترة الممتدة ما بين عامي 1948 و1967 م، استغلت الميليشيات العسكرية التي أسست إسرائيل الفوضى في تلك الفترة لتقوم بسرقة الأراضي من الفلسطينيين. واليوم ، يتم قبول إسرائيل من قبل المجتمع الدولي ولديها سلطة وظيفية نسبياً، وإن كانت تمييزية، إلا أن سرقة سندات الملكية من المواطنين لا تتم ببساطة. ولهذا السبب، وبعد احتلال الضفة الغربية بفترة وجيزة عام 1967، قامت إسرائيل بإجراء مسح شامل للضفة الغربية بأكملها من أجل تحديد موقع الأراضي الفلسطينية غير المسجلة. لماذا ؟ حتى تستفيد من القانون العثماني القديم الذي ينص على أنه إذا كانت أرضك غير مسجلة وغير مستخدمة فعليًا يمكن للدولة الاستيلاء على أرضك وتعلن أنها “أرض دولة”. وعلى الرغم من حقيقة أن معظم الأراضي الفلسطينية تستخدم بنشاط في الزراعة، فإن إسرائيل تستحضر هذا القانون العثماني كذريعة لمصادرة الأراضي الفلسطينية من أجل التوسع الاستيطاني.

لقد صُدمنا عندما اكتشفنا أن ما يقرب من 70٪ من الأراضي في الضفة الغربية ما زالت غير مسجلة و لا يوجد فيها سندات ملكية حتى يومنا هذا، وتبين أن السبب في ذلك بسيط للغاية. خلال فترة حكم الإمبراطورية العثمانية، لم يسجل الفلسطينيون أراضيهم لأنهم لم يكونوا قادرين على  دفع الضرائب.

لحظة قلنا: “آها“… وكيف وضعنا أنا وأبي هذه القضايا نصب أعيننا

في وقتنا الحاضر، إن الأراضي المسجلة والتي يوجد فيها سندات ملكية تنحصر فقط في المدن الفلسطينية الرئيسية، وبسبب محدوديتها ارتفع سعرها، على سبيل المثال ، يبلغ سعر الدونم – أي ما يعادل 1000 متر مربع أو ربع فدان-  في مدينة رام الله حوالي مليون دولار أمريكي، و في محيط مدينة  رام الله يباع الدونم بربع مليون دولار،  وبهذا أصبحت الأراضي التي يوجد فيها سندات الملكية ذات تكلفة عالية.

عندما اكتشفنا ذلك، وضعنا أنا وأبي هذه القضايا نصب أعيننا. ورأينا أنه إذا كانت إسرائيل تعتمد على القوانين المحلية لمصادرة الأراضي الفلسطينية غير المسجلة ، فلماذا لا نستطيع استخدام القوانين المحلية للتسجيل وبالتالي حماية الأراضي الفلسطينية؟.

ماذا تفعل السلطة الفلسطينية طوال اليوم؟

عندما استفسرنا عن عملية تسجيل الأراضي، لم يتفاجأ أحد منا، عندما علمنا أن هناك  شخص واحد في السلطة الفلسطينية مسؤول عن العملية الكاملة لتسجيل الأراضي. ولكن ، ولكي نكون منصفين، هذا فقط لأنهم مشغولون للغاية.

لذلك ، قمت بتوظيف فريق من المحامين والمهندسين، وأنشأنا رسم بياني يبين سير عملية التسجيل العثماني، التي تقع الآن ضمن اختصاص سلطة الأراضي الفلسطينية. ولطباعة هذا الرسم البياني الذي يشبه الأحجية  تحتاج إلى 6 ورقات.

في محاولة  للحد من هذه العملية البيروقراطية المريرة، قمت بزيارة وزير السلطة الفلسطينية لأعرض عليه الرسم البياني الذي قمنا بإنشاءه، نظر الوزير إلى الرسم البياني ثانيتين قبل أن يسحب نفساً طويلاً من سيجارته ويباركني وهو ينفخ الدخان في وجهي … ثم قال “لماذا حضرت إلى هنا؟”. أجبت: “سؤال جيد”، أجبت ذلك في نفسي طبعاً  لأنني كنت اختنق فعلياً.

أول مخطط هيكلي يتم مسحه في تاريخ هذه الأرض الفلسطينية القديمة

لذلك، جهزنا خريطة لهذه العملية، وكان قد حان الوقت للبدء بتنفيذها، الخطوة الأولى هي الأكثر تعقيداً في هذه العملية، لأنها تقوم على شراء الأراضي غير المسجلة والمتوفرة للبيع، ولكن، كيف تشتري أراضي لا يوجد فيها سندات ملكية، أوحتى أي اثبات لحدودها، وبالكاد يوجد فيها بعض المستندات والأوراق؟ لا تفعل ذلك – اهرب بأسرع ما يمكنك.

لكن إذا كنت مجنونًا مثلنا، فإنك ستقوم بالبحث عن المالكين الفعليين للأرض. وقد اكتشفنا سريعاً أن معظم الأراضي غير المسجلة في فلسطين قد انتقلت بالوراثة على مر الأجيال. ولجعل الأمور أكثر تحديًا، نميل نحن الفلسطينيين إلى أن يكون لدينا أطفال مثل …. الأرانب.

لذلك قد تكون قطعة أرض اليوم مملوكة  مثلا ل 50  فرداً من أبناء العمومة. ومعظم العائلات الفلسطينية يكونوا منتشرين في جميع أنحاء العالم وفي دول مثل تشيلي والأردن، وكما يقول القرويون الفلسطينيون: “أمريشا يا زلمة”!.

التنقل لا ينهي البيروقراطية أبدًا 

بعد أن ننجح في الحصول على موافقة جميع المالكين لشراء أرض غير المسجلة، يتعين علينا عندئذٍ تحديد الحدود الرسمية لهذه الأرض … ولأول مرة. لأنه إذا سألت المالك “أين حدود أرضك؟” فسوف يجيبك “من شجرة الزيتون إلى شجرة الزيتون تلك … هل ترى الحمار هناك؟….. هذا يعني – أن علينا أن نسير في كل ركن من الأرض مع مساح الأراضي ، وجهاز GPS ، ورئيس مجلس القرية ، والجيران ليوقعوا على الحدود، ومن ثم نجهز أول مخطط هيكلي يتم مسحه في تاريخ هذه الأرض القديمة.

وهذه هي البداية فقط، بعد ذلك، علينا أن نتنقل في شبكة من البيروقراطية، والتي تستغرق ما يقرب من عامين إلى ثلاثة أعوام. ومن ثم هناك عملية تقسيم الأرض إلى قسائم. وأخيرًا  الموافقة على عمل بنية تحتية جديدة. إجمالاً، علينا الحصول على موافقة من 9 وزارات ولجان مختلفة في السلطة الفلسطينية.

نحن ممتنون فقط لأننا لم نحصل على موافقة من الوزارة الفلسطينية….. للفلافل.

في عام 2011 ، انطلق  مشروع طابو، وهو مشروع متخصص في استصدار سندات الملكية وحماية الأراضي الفلسطينية

أخيراً ، وبعد سنوات من العمل الشاق، وبعد الخضوع لهذه العملية الشاقة، انضممت إلى والدي، الذي شهد قبل 60 عاماً عملية سلب أراضي والدته، وفي يونيو / حزيران 2011 أطلقنا بفخر “طابو” ، باللغة العربية سند الملكية ، مشروع متخصص في إستصدار سندات الملكية وحماية الأرض الفلسطينية.

ولأول مرة ، أصبح لدينا دونم أرض سكني مع طرق معبدة وكهرباء وسند ملكية وهو متاح للجميع بأسعار معقولة.

ونحن فخورون بالقول إننا انجزنا ذلك دون الحصول على أي مساعدات من المانحين، على عكس المشاريع العقارية الأخرى في الضفة الغربية.

لتأسيس مشروع “طابو” كان يلزمنا رأس مال كبير، حيث قام والدي بتوفير رأس المال اللازم من مستثمرين فلسطينيين وعرب، ومن خلال طرح أسهم الشركة  للاكتتاب العام في بورصة فلسطين. ربما أنت مندهش كيف لا يملك الفلسطينيون دولة ولا حتى حكومة واحدة بل حكومتين ، ولديهم سوق للأوراق المالية.

كان رأس المال الذي جمعناه لازماً  لشراء الأراضي بشكل قانوني والتأكد من استلام كل وريث حصته. كما سمح لنا رأس المال بتحمل مخاطر الحصول على الأراضي غير المسجلة واالمضي قدماً في العملية الشاقة والمعقدة  لتسجيل هذه الأراضي،  ولم يكن بإمكاننا فعل ذلك بدون جهود فريق عملنا الرائع من القدس والضفة الغربية وغزة.

ونتيجة لذلك كله ، تمكن الفلسطينيون، ولأول مرة ، من شراء أراضي  في فلسطين بأقساط  شهرية منخفضة تصل إلى 500 دولار شهرياً وبدون أية فوائد ، مع السماح لهم باستخدام هذه الأراضي على الفور. كما وتحملنا مسؤولية متابعة كافة معاملات تسجيل هذه الاراضي وتسليم سندات الملكية المسجلة باسم كل مالك من ملاك الأراضي الجدد بغض النظر عن المكان الذي يعيشون فيه في العالم. وكذلك أنشأنا منصة تسويق عبر الإنترنت وتطبيق الجوال الذي أرسلناه للفلسطينيين في جميع أنحاء العالم لتمكين الناس من اختيار قطعة الأرض التي يحلمون بها  بنقرة زر واحدة ، كما ويستطيعون القيام بجولة افتراضية  ومشاهدتها كما لو أنهم واقفين في الارض فعليًا ويستمتعون بمناظر التلال الخضراء والخلابة في الضفة الغربية.

بناء المنازل والمجتمعات الفلسطينية المحلية الفلسطينية مع هامش ربح صفر

من خلال طابو ، أصبح بامكان الفلسطينين الذي يعيشون في الشتات، والذين لا تسمح لهم اسرائيل بدخول فلسطين امتلاك قطعة أرض بأسعار ميسرة في موطن أجدادهم.

في الوقت الحاضر، كثيراً ما يتم سؤالنا إذا كان بامكان الفلسطينيين الذين لا يحملون هوية فلسطينية شراء قطعة أرض لهم في فلسطين. نعم، يمكنهم ذلك، ووفقًا للقانون الفلسطيني، عليهم أن يقدموا طلباً للحصول على أذن الشراء – وهو عبارة عن  إجراء فحص للخلفية الأمنية للمشتري- الأمر الذي يتطلب إجراء فحص شامل وموافقة من قبل مختلف مؤسسات السلطة الفلسطينية. ونحن نحترم هذه العملية ونعتقد أنها مهمة للغاية ، لأننا لا نريد أن تقع أراضينا في الأيدي الخطأ.

لذلك، تحقق من هذا: ما كان يعتبر في الماضي تلة جرداء غير مسجلة وعرضة للمصادرة في الضفة الغربية ، تحولت اليوم إلى مئات من القسائم مع سند ملكية لكل قسيمة وهذه القسائم يمتلكها الفلسطينيون. ومن أجل ترسيخ هذا الواقع الجديد، نحن نقوم ببناء بيوت نموذجية  لمالكي الأراضي الفلسطينيين بسعر التكلفة. وهدفنا هو خلق مجتمعات جديدة على أراضينا الفلسطينية قبل أن تقام عليها المستوطنات.

الشعور بالغدر والعجز عندما اعتقل والدي بشكل غير قانوني

عندما أطلقنا مشروع “طابو”، أجريت العديد من المقابلات الصحفية معي ومع والدي في مختلف القنوات الإخبارية وتم سؤالنا عن تقييمنا للوضع في فلسطين. وكوننا أصوات مستقلة، شعرنا أننا ملزمين بتوجيه النقد البناء للحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية، ولمشروع حل الدولتين الخيالي لأنه منفصل تماماً عن الواقع الفلسطيني الصعب على الأرض. ومع ذلك ، فقد دفعنا ثمناً لم أكن أتخيله أبداً نتيجة صراحتنا.

ونتيجة لانتقادنا لبعض القيادات في السلطة الفلسطينية، قام أحد الأفراد داخل السلطة الفلسطينية بإساءة استخدام منصبه وقام بتعليق جميع معاملات تسجيل أراضي مشروع “طابو” بشكل غير قانوني. فكر في هذا للحظة. بهدف معاقبتنا على استخدام حريتنا في التعبير ، قام  أحد الأفراد المتنفذين داخل السلطة الفلسطينية بتعليق تسجيل الأراضي الفلسطينية، وبالتالي منع حماية الأرض الفلسطينية من التوسع الاستيطاني الإسرائيلي. عندما دعا والدي الذي يبلغ  السبعين من عمره وهو أحد أبرز رجال الأعمال في فلسطين إلى استقالة الرئيس محمود عباس، تم اعتقاله بشكل غير قانوني. لن أنسى أبدًا الشعور بالغدر والعجز. ولكي أكون واضحًا، أنا لا أعمم أن جميع من يعملون في السلطة الفلسطينية سيئون أو فاسدون ، لكني أقصد بعض الأفراد المتنفذين.

قاضينا السلطة الفلسطينية في محكمة العدل العليا … وكسبنا القضية!

إذن، مالذي فعلناه؟ حسنًا ، بعد أن جردت عائلة أبي من أراضيهم عام1948 م، ترك والدي بلا حيلة، فقيرًا وبدون جواز سفر، ومع ذلك كان مصمماً على الاستمرار والبقاء وتأمين أسرته. عمل بلا كلل لتثقيف نفسه، والحصول على درجة البكالوريوس، والماجستير، ودرجة الدكتوراه في إدارة المخاطر. هاجر إلى كندا حتى يتمكن أطفاله من عيش حياة أفضل. عاد إلى فلسطين وأنشأ أكبر شركة تأمين في الضفة الغربية وغزة. اختار والدي طريق التعليم والعمل الشاق والتعامل الأخلاقي. اختار القلم بدل السيف. اختار الطريق الأصعب.

في مواجهة الفساد والمحسوبية، قررنا مرة أخرى اختيار الطريق الأصعب ورفعنا دعوى قضائية على السلطة الفلسطينية في محكمة العدل العليا الفلسطينية. انتظرنا سنوات، وصمدنا حتى النهاية ، كانت سابقة قضائية، حيث قضت المحكمة بأن تصرفات الأفراد في السلطة الفلسطينية تعتبر إساءة استخدام للسلطة والصلاحيات وتم اعتبارها غير قانونية.

أصبح طابو” المشروع العقاري الأكثر شعبية في فلسطين

رفضنا الاستسلام. ورغم ذلك كله ، تابع مشروع “طابو” عمليات التسجيل، وتمكن من حماية أكثر من مليون متر مربع من الأراضي الفلسطينية، وتعبيد  8 آلاف متر من الطرق ، والأهم من ذلك ، مكن “طابو” 400 عائلة فلسطينية من امتلاك حوالي 600 قطعة أرض. ويواصل مشروع “طابو” النمو والتوسع حتى أصبح المشروع العقاري الأكثر شعبية في فلسطين.

وحول مشروع ” طابو” ، قالت وكالة رويترز: “يمكن للفلسطينيين تحقيق انجاز سياسي وعائد مالي عن طريق شراء قطعة في الضفة الغربية”، وقالت محطة الإذاعة الوطنية في الولايات المتحدة الأمريكية NPR أننا نقوم ب “تمهيد الطريق لتثبيت الملكية”، أما مجلة فوربس  فقد قاموا بوضع هذا الرجل على غلافهم ….

وضع الأراضي  في أيدي السكان الأصليين، دونم أرض دون أي مساعدة من المانحين

على الرغم من التحديات التي واجهتنا في فلسطين، أمسكنا زمام الأمور بأيدينا لحل مشكلة بدت مستعصية على الحل. لم نتطلع إلى المجتمع الدولي ولم ننشد المعونة من المانحين. استخدمنا رأس المال الخاص بنا من أجل العمل وتحقيق الربح والنهوض باقتصادنا المحلي ، وابتكرنا طريقة مستدامة لمعالجة مشكلة اقتصادية واجتماعية وسياسية.

“طابو” مشروع ربحي. لقد قصدنا ذلك منذ البداية ، لأننا نؤمن بالاعتماد على الذات الفلسطينية، وبينما تعد فلسطين واحدة من أكثر المجتمعات التي تعتمد على المانحين في العالم، فإن طابو عبارة عن مشروع اجتماعي ربحي يحمي الأرض الفلسطينية، ويشغل المئات من الأيدي العاملة الفلسطينية. وعندما نحقق ربح من خلال مشروع “طابو” ، فإننا نقوم بشراء وتسجيل المزيد من الأراضي ونستمر في تقديم هذه الخدمة التي نحتاج إليها بشدة والتي تضع الأراضي الفلسطينية في أيدي الفلسطينين أنفسهم- دونم واحد – دون الحاجة إلى معونات المانحين. هذا هو جوهر التنمية الاقتصادية المستدامة. هذا هو المقصود بريادة الأعمال الاجتماعية.

قد لا يكون هذا حلاً للأزمة في غزة. كما أنه لا يضع حداً لتوسع المستوطنات. إنه بالتأكيد لا ينهي اضطهاد إسرائيل للفلسطينيين. لكنه يحمي الأرض الفلسطينية. إنه يقدم شيئًا في ظل القيود الخانقة التي نعيشها ، وبالتأكيد شيء أفضل من لا شيء.

الفلسطينيون لن يستسلموا أبداً

ما يمنحني الأمل اليوم هو عندما أفكر في قصة والدي. عندما كان طفلاً ، شاهد كيف يمكن أن يكون العالم قاسياً ، لكنه كرس حياته في خدمة أسرته ومجتمعه.

عند النظر الى مشروع “طابو” النموذجي، أتمنى أن تتعلم القيادة الفلسطينية أنه عندما نرسم مصيرنا بأيدينا ونعمل معاً

لا يوجد شيء لا يمكننا تحقيقه. وآمل أيضاً أن يتعلم العالم أن الفلسطينيين، مثل والدي، لن يستسلموا أبداً. لقد اختاروا الطريق الأصعب ، وفي نهاية الطريق ، سيفوزون بالتأكيد بحقوقهم الإنسانية غير القابلة للتصرف.

إذا كان أي شيء آخر ممكن أن يحدث، على أقل تقدير، آمل أن يكون هناك شخص ما يعرف كيف ينطق اسمي بشكل سليم.

المتابعة إلى المشاركة التالية

اترك تعليقك

اتصل بنا: +972 2 2974992

احجز أرضك الآن

تواصل مع المستشار الاستثماري